اميليا سفاحة الاطفال قصة حقيقية وقعت تقريبا في عام 1890
أسمها الحقيقي هو ايميليا داير (Amelia Dyer )، ولدت عام 1838 في بلدة صغيرة بالقرب من مدينة بريستول الانجليزية، كانت الأصغر من بين خمسة أشقاء، وعلى العكس من معظم المجرمات والقاتلات المحترفات، فان ايميليا لم تعاني من الفقر والتفكك الأسري في طفولتها، بل ولدت في عائلة ميسورة الحال، حيث كان والدها يمتلك مصنعا للأحذية، وقد حظت بتعليم جيد في صغرها وعرف عنها ولعها بالأدب والشعر، لكن الشيء الوحيد الذي نغص طفولتها وترك أثرا كبيرا في نفسها هو مرض أمها بالتيفوس الذي أفقدها صوابها قبل أن يقضي عليها تماما عام 1848.
ايميليا غادرت منزل العائلة بعد موت والدها عام 1861 أثر خلاف نشب بينها وبين أشقاءها حول الميراث، وسرعان ما تزوجت برجل يكبرها بثلاثين عاما، ثم بدأت العمل في مجال التمريض، وهي مهنة كانت تحظى بالاحترام في ذلك الزمان لكنها لم تكن تدر الكثير من المال، إلا أن ايميليا وجدت الوسيلة لكسب المزيد بعد تعرفها على سيدة تدعى ايلين دان، وهي صاحبة مزرعة أطفال جنت ثروة صغيرة عن طريق توفير المأوى للنساء الحوامل خارج أطار الزواج، وكذلك عن طريق رعاية وتربية الأطفال غير الشرعيين الذين كانوا يولدون في منزلها، أو يرسلون أليها لكي تتبناهم.
ايلين التي هاجرت إلى الولايات المتحدة فيما بعد هربا من ملاحقة الشرطة، لم تعلم ايميليا كيفية إدارة المزرعة والاعتناء بالأطفال فقط، وإنما علمتها كيف تتخلص منهم أيضا!. ولم يمض وقت طويل حتى تفوقت ايميليا على معلمتها في دناءة النفس وخبث المسلك، فافتتحت مزرعة أطفال خاصة بها في منزلها، ولم تأل جهدا أو وسيلة للتخلص السريع من الأطفال تحت رعايتها، فكانوا يتساقطون واحدا بعد الآخر.
نقطة الضعف الوحيدة في نشاط ايميليا الإجرامي انحصرت في حاجتها إلى شهادة وفاة قانونية للطفل الميت حتى تستطيع دفنه من دون جلب الشبهات لعملها المربح، ولهذا الغرض كان عليها عرض جثة الطفل على طبيب متمرس ليؤكد بأن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية، وطبعا أغلب أطباء ذلك الزمان ما كانوا يكلفون أنفسهم عناء التحري عن سبب الوفاة الحقيقي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بطفل غير شرعي نبذه أهله، فكانوا يعزون الوفاة ببساطة للمرض وسوء التغذية نتيجة فقدان حليب الأم.
لكن حدث في عام 1878 أن ارتاب احد الأطباء في سبب موت طفل من مزرعة ايميليا وتقدم بشكوى أدت إلى إلقاء القبض على ايميليا وتقديمها للمحاكمة، لكنها لسوء الحظ لم تحاكم بتهمة القتل وإنما بتهمة الإهمال، وهكذا حصلت على حكم مخفف بالأشغال الشاقة لمدة ستة أشهر فقط، وبالرغم من كونها عقوبة مخففة جدا قياسا بعقوبات ذلك الزمان، إلا إنها تركت أثرا مدمرا في نفس ايميليا، حتى أنها قضت ردحا من الزمن في مستشفى للأمراض العقلية. وبعد تلك التجربة المريرة قررت ايميليا أن لا تلجأ إلى الأطباء مرة أخرى، وبدأت تتخلص من جثث الأطفال بطريقتها الخاصة، غالبا عن طريق رميهم في النهر القريب من منزلها. لكن ايميليا تعرضت للمشاكل مجددا بسبب عودة بعض الأمهات ومطالبتهن برؤية أطفالهن، فراحت تتبع سياسة جديدة قائمة على استعمال الأسماء المستعارة وتبديل محل سكنها من حين لآخر بحيث يصعب على الشرطة وعلى أمهات الأطفال تتبعها وملاحقتها. وهكذا ظهرت إلى الوجود شخصية السيدة هاردنك التي أوقعت ايفيلينا في شرك حبائلها، إلى جانب أسماء وشخصيات أخرى استعملتها ايميليا عبر السنين للتمويه عن حقيقة شخصيتها.
أخيرا .. التايمز يتكلم ..
في الثلاثين من آذار / مارس 1896 عثر ربان أحد قوارب الشحن التي تمخر عباب التايمز على حقيبة صغيرة كانت طافية فوق مياه النهر بالقرب من بلدة ريدنج الانجليزية، داخل الحقيبة كانت هناك رزمة ورقية تحتوي على جثة متحللة لطفلة رضيعة. الربان أخبر الشرطة حول الحقيبة، وبدأت في الحال تحقيقات مكثفة للوصول إلى رأس خيط يمكن أن يقود إلى كشف لغز الرضيعة الميتة، وبتفحص الأدلة، لاحظ المحققون وجود كتابة دقيقة جدا على حاشية الرزمة الورقية التي كانت داخل الحقيبة، وباستخدام العدسات المكبرة أستطاع المحققون قراءة تلك الكتابة التي تضمنت أسم امرأة تدعى "السيدة سميث" إلى جانب عنوان منزل في ريدنج، وقد قادهم ذلك العنوان إلى منزل ايميليا داير مباشرة، لكن الشرطة لم تطرق الباب على الفور وإنما راحت تراقب المنزل لعدة أيام، فالمحققون كانوا يرتابون في طبيعة عمل ايميليا منذ فترة طويلة، لكنهم لم يكونوا يملكون دليلا قويا يقودهم إلى إدانتها في حال إلقاء القبض عليها، لذا قرروا نصب كمين محكم لها، فأرسلوا لها خطابا مزيفا من امرأة وهمية تزعم بأنها أم عازبة تبحث عمن يتبنى ابنتها الرضيعة مقابل مبلغ مجزي من المال، وبالطبع ما كانت ايميليا لتفوت صيدا سهلا ومغريا كهذا، لذا سارعت إلى الرد برسالة تعرض خدماتها على تلك الأم الوهمية، وقد ذيلت تلك الرسالة بأسم السيدة سميث، وكان ذلك كافيا لإثبات الجرم عليها في قضية الطفلة الرضيعة التي عثر عليها في مياه التايمز.
الشرطة قامت بمداهمة منزل ايميليا داير، في الداخل كانت هناك رائحة تحلل بشرية تزكم الأنوف، لكنهم لم يعثروا على أية جثة، وبدلا عن ذلك عثروا على الكثير من الأدلة التي تدين ايميليا، كالخطابات التي تبادلتها مع الأمهات المخدوعات، وملابس الأطفال المغدورين، والأشرطة اللاصقة التي استعملت في قتلهم، والإعلانات التي كانت تعمد إلى نشرها في الجرائد من حين لآخر للإيقاع بضحاياها، إضافة إلى وصولات استلام الأطفال.
الشرطة فتشت أيضا مياه نهر التايمز في محيط البقعة التي عثرت فيها على جثمان الطفلة الرضيعة، وسرعان ما انتشل الغواصون ستة جثث أخرى لأطفال، من ضمنها دوريس ابنة ايفيلينا، وجميعهم كانوا مقتولين بنفس الطريقة، أي بالشريط اللاصق حول أعناقهم، وهي الطريقة التي أصبحت علامة فارقة ومميزة لجرائم ايميليا، حتى أنها أخبرت الشرطة لاحقا في اعترافاتها بأن : "الشريط اللاصق هو العلامة التي يمكنك من خلالها معرفة فيما أذا كانت الجثة تعود لي أم لا".
المحاكمة
ومن خلال الرسائل التي عثر عليها في منزلها، توصل المحققون إلى قيام ايميليا بقتل ما لا يقل عن 20 طفلا خلال الأسابيع القليلة التي سبقت إلقاء القبض عليها، وبعملية حسابية بسيطة توصلوا إلى أن مجموع ضحاياها خلال السنوات الطويلة التي أمضتها في ممارسة مهنة التمريض والاعتناء بالأطفال في منزلها لا يقل عن 400 طفل، وهو رقم قياسي لا ينافسها عليه أي من القتلة والسفاحين في تاريخ أوربا الحديث.
ايميليا اعترفت بجرائمها بالتفصيل، لكنها أنكرت أن تكون ابنتها بولي شريكة معها في تنفيذ تلك الجرائم، وشعرت براحة كبيرة حين علمت بإسقاط التهم عن أبنتها وزوجها لاحقا وإطلاق سراحهما، بالرغم من أن بولي شهدت ضدها خلال محاكمتها.
وخلال المحاكمة حاولت ايميليا الدفاع عن نفسها بإدعاء الجنون، فهي فعلا دخلت مصحة الأمراض العقلية مرتين في السابق، لكن المحكمة رفضت ذلك الادعاء واعتبرت دخولها المصحة مجرد طريقة لجئت إليها للفرار حين كان أمرها يوشك على الافتضاح بسبب عودة بعض الأمهات ومطالبتهن بأطفالهن.
المحلفون لم يستغرقوا سوى أربعة دقائق ونصف لإدانة ايميليا داير بالتهم الموجهة إليها، وفي العاشر من حزيران / يونيو 1896 اقتيدت ايميليا إلى المشنقة، تم سؤالها للمرة الأخيرة وهي تقف على منصة الإعدام فيما إذا كان لديها شيء لتقوله لهذا العالم قبل رحيلها عنه، فهزت رأسها بالنفي وأجابت : "ليس لدي شيء لأقوله"، فتقدم إليها الجلاد وطوق عنقها بالحبل بعدما كان تطويق الرقاب عملها الذي أتقنته لسنوات طويلة، وساد صمت رهيب لم يقطعه سوى صوت سقوطها المدوي عن المنصة، هوت بالحبل ثم تخبطت واختنقت لعدة دقائق .. لم تتمكن حتى من الصراخ .. احتست أخيرا من نفس الكأس المرة التي سقتها لمئات الأطفال الأبرياء، وتجرعت مثلهم طعم الموت البطيء والصامت قبل أن تغادر روحها البليدة إلى الجحيم مباشرة.
ونظرا لبشاعة وفظاعة جرائم ايميليا داير فقد أصدر البرلمان البريطاني قانونا يشدد الرقابة على مزارع الأطفال، لكن بالرغم من ذلك استمرت الجرائم بحق الأطفال، واستمرت الصحف تحمل بين الحين والآخر نبأ القبض على بعض النساء ممن هن على شاكلة ايميليا داير، ففي عام 1898 تم العثور على رزمة داخل أحد القطارات وفي داخلها كانت هناك طفلة رضيعة عمرها ثلاثة أسابيع في حالة يرثى لها، كانت مبللة وباردة، لكنها لا تزال على قيد الحياة، وقد توصل المحققون لاحقا إلى أنها ابنة غير شرعية لأرملة تدعى جين هيل، هذه الأرملة كانت قد سلمت طفلتها الرضيعة إلى امرأة تدعى السيدة ستيوارت لكي تتبناها مقابل مبلغ 12 جنيه، لكن على ما يبدو فأن السيدة ستيوارت تركت الطفلة في القطار وفرت بالمبلغ، ويقال بأن السيدة ستيوارت تلك لم تكن في الحقيقة سوى بولي ابنة اميليا داير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire